¤ الســـؤال:
أنا شاب بدأت أفكر بالزواج، ولكن عندي بعض الإشكالات التي أود الإستفسار عنها قبل البحث عن زوجة:
بالنسبة إلى الزوجة، من هي ذات الدين التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الظفر بها؟ أعلم أنها كلما كانت عالمة عابدة تقية داعية إلى الله تعالى كان ذلك أفضل، ولكن ماذا عن التي هي أقل من ذلك، كأن تكون مقتصرة على تأدية الفرائض فقط، هل تعتبر ذات دين بالمعنى الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل التي تلبس الحجاب الكاشف للوجه أو النقاب الذي يكشف العيون لا تعتبر ذات دين؟ بمعنى آخر: إذا إختار أهل الشاب فتاة تؤدي الفرائض وتلبس حجاباً كاشفاً للوجه، هل له أن يرفض التقدم لخطبتها لأنها ليست ذات دين؟
* الجـــواب:
الحمد لله...
الوصية بنكاح ذات الدين، ومن هي ذات الدين؟.
أ= رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح ذات الدين فقال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، رواه البخاري، ومسلم 1466.
قال عبد العظيم آبادي رحمه الله: والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمحَ نظره في كل شيء، لاسيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدِّين الذي هو غاية البغية.
«تربت يداك» يقال: ترب الرجل، أي: افتقر، كأنه قال: تلصق بالتراب، ولا يُراد به ها هنا الدعاء، بل الحث على الجد، والتشمير في طلب المأمور به -عون المعبود 6 / 31.
ب= وأما صفات النساء ذوات الدِّين فقد أمكننا الوقوف على كثيرٍ من الصفات التي يصدق على من إتصف بها من النساء أن تكون من ذوات الدِّين، ومنها:
1) حسن الإعتقاد، وهذه الصفة على رأس قائمة الصفات، فمن كانت من أهل السنَّة والجماعة فإنها تكون حققت أعلى وأغلى صفة في ذوات الدين، ومن كانت من أهل البدع والضلال فإنها ليست من ذوات الدِّين اللاتي رُغِّب المسلم بالتزوج منهنَّ، لما لهنَّ من أثرٍ سيئ على الزوج أو على أولاده، أو على كليهما.
2) طاعة الزوج، وعدم مخالفته إذا أمر بالحق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ، رواه النسائي 3131، وصححه الألباني في صحيح النسائي.
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث صفات عظيمة في الزوجة الصالحة الخيِّرة، وهي:
أولها: إذا نظر إليها سرَّته بدِينها، وبأخلاقها، وبمعاملتها، وبمظهرها.
وثانيها: إذا غاب عنها حفظته في عرضها، وحفظته في ماله.
وثالثها: إذا أمرها أطاعته، ما لم يأمرها بمعصية.
3) إعانة الزوج على إيمانه ودينه، تأمره بالطاعات، وتمنعه من المحرَّمات.
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مَا نَزَلَ قَالُوا: فَأَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ قَالَ عُمَرُ: فَأَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ فَأَوْضَعَ عَلَى بَعِيرِهِ فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ: لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ، رواه الترمذي 3094 وحسَّنه، وفي آخره: «وَتُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ»، وابن ماجه 1856 -واللفظ له-، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال المباركفوري رحمه الله:
وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه، أي: على دينه، بأن تذكره الصلاة، والصوم، وغيرهما من العبادات، وتمنعه من الزنا، وسائر المحرمات -تحفة الأحوذي 8 / 390.
4) أن تكون امرأةً صالحة، ومن صفات الصالحات: أن تكون مطيعة لربها، وقائمة بحق زوجها في ماله، وفي نفسها، ولو في حال غيبة الزوج.
قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} أي: مطيعات لله تعالى.
{حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: مطيعات لأزواجهن، حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها، وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه، تفسير السعدي ص 177.
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ ألوَاسِعُ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ، وَأَرْبَع مِنَ اَلشًقَاوَةِ: اَلْجَارُ السُّوءُ، والمرأة اَلسُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ»، رواه ابن حبان في صحيحه 1232، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 282، وصحيح الترغيب 1914.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة، وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة المؤمنة، إن نظرت إليها أعجبتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك».
وهي التي أمر بها النبي في قوله لما سأله المهاجرون أي المال نتخذ فقال: «لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، أو امرأة صالحةً تعين أحدكم على إيمانه» رواه الترمذي، من حديث سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان.
ويكون منها من المودة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه، فيكون ألم الفراق أشد عليها من الموت أحيانا وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان، خصوصا إن كان بأحدهما علاقة من صاحبه، أو كان بينهما أطفال يضيعون بالفراق ويفسد حالهم، مجموع الفتاوى 35/ 299.
5) حسن الأدب، والعلم.
عَنْ أبي موسَى الأَشْعرِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ» رواه البخاري 97، ومسلم 154.
قال المباركفوري رحمه الله:
«فأدَّبها»: أي: علَّمها الخصال الحميدة: مما يتعلق بأدب الخدمة، إذ الأدب هو: حسن الأحوال من القيام والتعود، وحسن الأخلاق.
«فأحسن أدبها» وفي رواية الشيخين: «فأحسن تأديبها» وإحسان تأديبها، هو: الإستعمال علمها الرفق واللطف، وزاد في رواية الشيخين: وعلمها فأحسن تعليمها، تحفة الأحوذي 4/ 218.
6) القيام بالطاعات، والعفة عن المحرَّمات.
وهذا من معاني ذات الدِّين الواردة في الحديث الصحيح الذي سقناه في أول الجواب.
قال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله:
والمراد بالدِّين: الطاعات، والأعمال الصالحات، والعفَّة عن المحرمات، مغني المحتاج 3/ 127.
بل إن المرأة التي تجمع بين طاعة ربها بفعل ما أمر به من الواجبات، وترك ما نهى عنه من المحرمات، وطاعة زوجها: بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بكرامة عالية عند دخول الجنة.
ففي الحديث: «إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» رواه أحمد 1664 وغيره، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب، وكذا الأرناؤوط في تخريج المسند.
7) العابدة، والصائمة.
قال تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:5].
قال البغوي رحمه الله:
{أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} خاضعات لله بالطاعة.
{مُؤْمِنَاتٍ} مصدقات بتوحيد الله.
{قَانِتَاتٍ} طائعات، وقيل: داعيات، وقيل: مصليات.
{سَائِحَاتٍ} صائمات، وقال زيد بن أسلم: مهاجرات، وقيل: يسحن معه حيث ما ساح، تفسير البغوي 8 / 168.
وبهذا يعرف أن الدِّين كلمة جامعة، تشمل أصنافاً من العبادات، وأنواعاً من الطاعات، وشمائل وأخلاق، ولا بدَّ من التنبيه أن ما ذكرناه من تلك الأوصاف والأفعال ليس درجة واحدة عند النساء، بل هو درجات كما هو مشاهد ومعلوم، وكلما كانت أكثر حياء وعلماً وعبادة، كانت أقرب للمقصود من الظفر بها للنكاح.
وبكل حال فإن ذات الدين هي التي تصلح للرجل لتحفظ له دينه، وتعينه على آخرته، وتسره إذا نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها، وتربي له أولاده خير تربية.
والله أعلم...
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب.